فصل: أمر جند قنسرين والمدن التي تدعى العواصم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتوح البلدان (نسخة منقحة)



.أمر جند قنسرين والمدن التي تدعى العواصم:

390- قالوا: سار أبو عبيدة بن الجراح بعد فراغه من أرض اليرموك إلى حمص فاستقراها.
ثم أتى قنسرين، وعلى مقدمته خالد بن الوليد، فقاتله أهل مدينة قنسرين، ثم لجأوا إلى حصنهم وطلبوا الصلح فصالحهم أبو عبيدة على مثل صلح حمص.
وغلب المسلمون على أرضها وقرارها.
وكان حاضر قنسرين لتنوخ مذ أول ما تنخوا بالشام نزلوه، وهم في خيم الشعر، ثم ابتنوا به المنازل، فدعاهم أبو عبيدة إلى الإسلام فأسلم بعضهم، وأقام على النصرانية بنو سليح ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
391- فحدثني بعض ولد يزيد بن حنين الطائي الأنطاكي، عن أشياخهم أن جماعة من أهل ذلك الحاضر أسلموا في خلافة أمير المؤمنين المهدي، فكتب على أيديهم بالخضرة قنسرين.
ثم سار أبو عبيدة يريد حلب، فبلغه أن أهل قنسرين قد نقضوا وغدروا.
فوجه إليهم السمط ابن الأسود الكندي فحصرهم ثم فتحها.
392- حدثني هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن أبي عبد العزيز عن عبادة بن نسى، عن عبد الرحمن بن غنم قال: رابطنا مدينة قنسرين مع السمط- أو قال شرحبيل بن السمط-.
فلما فتحها أصاب فيها بقرا وغنما.
فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم.
وكان حاضر طيء قديما نزلوه بعد حرب الفساد التي كانت بينهم حين نزل الجبلين من نزل منهم وتفرق باقوهم في البلاد.
فلما ورد أبو عبيدة عليهم أسلم بعضهم، وصالح كثير منهم على الجزية.
ثم أسلموا بعد ذلك بيسير إلا من شذ عن جماعتهم.
وكان بقرب مدينة حلب حاضر يدعى حاضر حلب يجمع أصنافا من العرب من تنوح وغيرهم.
فصالحهم أبو عبيدة على الجزية.
ثم إنهم أسلموا بعد ذلك فكانوا مقيمين وأعقابهم به إلى بعيد وفاة أمير المؤمنين الرشيد.
ثم إن أهل ذلك الحاضر حاربوا أهل مدينة حلب وأرادوا إخراجهم عنها، فكتب الهاشميون من أهلها إلى جميع من حولهم من قبائل العرب يستنجدونهم.
فكان أسبقهم إلى إنجادهم وإغاثتهم العباس بن زفر ابن عاصم الهلالي بالخؤولة، لأن أم عبد الله بن العباس لبابة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم الهلالية.
فلم يكن لأهل ذلك الحاضر به وبمن معه طاقة، فأجلوهم عن حاضرهم وأخربوه.
وذلك في أيام فتنة محمد بن الرشيد.
فانتقلوا إلى قنسرين فتلقاهم أهلها بالأطعمة والكسى.
فلما دخلوها أرادوا التغلب عليها فأخرجوهم عنها فتفرقوا في البلاد، فمنهم قوم بتكريت قد رأيتهم، ومنهم قوم بأرمينية وفى بلدان كثيرة متباينة.
393- وأخبرني أمير المؤمنين المتوكل رحمه الله قال: سمعت شيخا من مشايخ بنى صالح بن علي بن عبد الله بن عباس يحدث أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله سنة غزا عمورية قال: لما ورد العباس بن زفر الهلالي حلب لإغاثة الهاشميين ناداه نسوة منهم: يا خال! نحن بالله ثم بك.
فقال: لا خوف عليكم إن شاء الله، خذلني الله إن خذلتكم.
قال: وكان حيار بني القعقاع بلدا معروفا قبل الإسلام، وبه كان مقيل المنذر بن ماء السماء اللخمى ملك الحيرة.
فنزله بنو القمقاع بن خليد بن جزء بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض، أوطنوه فنسب إليهم.
وكان عبد الملك بن مروان أقطع القعقاع به قطيعة، وأقطع عمه العباس ابن جزء بن الحارث قطائع أوغرها له إلى اليمن فأوغرت بعده.
وكانت أو أكثرها مواتا.
وكانت ولادة بنت العباس بن جزء عند عبد الملك، فولدت له الوليد وسليمان.
394- قالوا: ورحل أبو عبيدة إلى حلب وعلى مقدمته عياض بن غنم الفهري.
وكان أبوه يسمى عبد غنم، فلما أسلم عياض كره أن يقال عبد غنم فقال: أنا عياض بن غنم.
فوجد أهلها قد تحصنوا فنزل عليها.
فلم يلبثوا أن طلبوا الصلح والأمان على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم ومنازلهم والحسن الذي بها.
فأعطوا ذلك، فاستثنى عليهم موضع المسجد.
وكان الذي صالحهم عليه عياض، فأنفذ أبو عبيدة صلحه.
وزعم بعض الرواة أنهم صالحوا على حقن دمائهم وأن يقاسموا أنصاف منازلهم وكنائسهم.
وقال بعضهم: إن أبا عبيدة لم يصادف بحلب أحدا، وذلك أن أهلها انتقلوا إلى أنطاكية، وأنهم إنما صالحوه عن مدينتهم وهم بأنطاكية، راسلوه في ذلك فلما تم صلحهم رجعوا إلى حلب.
395- قالوا: وسار أبو عبيدة من حلب إلى أنطاكية وقد تحصن بها خلق من أهل جند قنسرين.
فلما صار بمهروبة، وهي على قريب فرسخين من مدينة أنطاكية، لقيه جمع للعدو.
ففضهم وألجأهم إلى المدينة، وحاصر أهلها من جميع أبوابها.
وكان معظم الجيش على باب فارس والباب الذي يدعى باب البحر.
ثم إنهم صالحوه على الجزية والجلاء.
فجلا بعضهم وأقام بعضهم.
فأمنهم ووضع على كل حالم منهم دينارا وجريبا.
ثم نقضوا العهد فوجه إليهم أبو عبيدة عياض ابن غنم وحبيب بن مسلمة ففتحاها على الصلح الأول.
ويقال: بل نقضوا بعد رجوعه إلى فلسطين، فوجه عمرو بن العاصي من إيلياء ففتحها، ثم رجع فمكث يسيرا حتى طلب أهل إيلياء الأمان والصلح.
والله أعلم.
396- وحدثني محمد بن سهم الأنطاكي عن أبي صالح الفراء قال، قال مخلد بن الحسين: سمعت مشايخ الثغر يقولون: كانت أنطاكية عظيمة الذكر والأمر عند عمر وعثمان.
فلما فتحت كتب عمر إلى أبي عبيدة أن رتب بأنطاكية جماعة من المسلمين أهل نبات وحسبة، وأجعلهم بها مرابطة، ولا تحبس عنهم العطاء.
ثم لما ولى معاوية كتب إليه بمثل ذلك.
ثم إن عثمان كتب إليه يأمره أن يلزمها قوما وأن يقطع قطائع ففعل.
قال ابن سهم: وكنت واقفا على جسر أنطاكية على الأرنط فسمعت شيخا مسنا من أهل أنطاكية وأنا يومئذ غلام يقول: هذه الأرض قطيعة من عثمان لقوم كانوا في بعض أبى عبيدة، أقطعهم إياها أيام ولاية عثمان معاوية الشام.
397- قالوا: ونقل معاوية بن أبي سفيان إلى أنطاكية في سنة اثنتين وأربعين جماعة من الفرس وأهل بعلبك وحمص ومن المصرين.
فكان منهم مسلم بن عبد الله جد عبد الله بن حبيب بن النعمان بن مسلم الأنطاكي.
وكان مسلم قتل على باب من أبواب أنطاكية يعرف اليوم بباب مسلم.
وذلك أن الروم خرجت من الساحل فأناخت على أنطاكية، فكان مسلم على السور، فرماه علج بحجر فقتله.
398- وحدثني جماعة من مشايخ أهل أنطاكية منهم ابن برد الفقيه أن الوليد بن عبد الملك أقطع جندا بأنطاكية أرض سلوقية عند الساحل، وصير الفلثر، وهو الجريب، بدينار ومدى قمح فعمروها، وجرى ذلك لهم، وبنى حصن سلوقية.
399- قالوا: وكانت أرض بغراس لمسلمة بن عبد الملك فوقفها في سبيل البر.
وكانت عين السلور وبحيرتها له أيضا.
وكانت الإسكندرية له، ثم صارت لرجاء مولى المهدي إقطاعا فورثه منصور وإبراهيم ابنا المهدي.
ثم صارت لإبراهيم بن سعيد الجوهري، ثم لأحمد بن أبي دؤاد الإيادي ابتياعا.
ثم انتقل ملكها إلى أمير المؤمنين المتوكل على الله رحمه الله.
400- فحدثني ابن برد الأنطاكي، وغيره قالوا: أقطع مسلمة بن عبد الملك قوما من ربيعة قطائع، فقبضت وصارت بعد للمأمون، وجرى أمرها على يد صالح الخازن صالح الدار بأنطاكية.
401- قالوا: وبلغ أبا عبيدة أن جمعا للروم بين معرة مصرين وحلب، فلقيهم وقتل عدة بطارقة، وفض ذلك الجيش وسبى وغنم.
وفتح معرة مصرين على مثل صلح حلب.
وجالت خيوله فبلغت بوقا، وفتحت قرى الجومة وسرمين ومرتحوان وتيزين.
وصالحوا أهل دير طيايا (كذا) ودير الفسيلة على أن يضيفوا من مر بهم من المسلمين، وأتاه نصارى خناصرة فصالحهم.
وفتح أبو عبيدة جميع أرض قنسرين وأنطاكية.
402- حدثني العباس بن هشام، عن أبيه قال: خناصرة نسبت إلى خناصر بن عمرو بن الحارث الكلبي ثم الكناني، وكان صاحبها.
وبطنان حبيب نسب إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وذلك أن أبا عبيدة أو عياض بن غنم وجهه من حلب ففتح حصنا بها فنسب إليه.
403- قالوا: وسار أبو عبيدة يريد قورس، وقدم أمامه عياضا.
فتلقاه راهب من رهبانها يسأل الصلح عن أهلها.
فبعث به إلى أبي عبيدة وهو بين جبرين وتل أعزاز فصالحه، ثم أتى قورس فعقد لأهلها عهدا وأعطاهم مثل الذي أعطى أهل أنطاكية، وكتب للراهب كتابا في قرية له تدعى شرقينا، وبث خيله فغلب على جميع أرض قورس إلى آخر حد نقابلس.
404- قالوا: وكانت قورس كالمسلحة لأنطاكية يأتها في كل عام طالعة من جند أنطاكية ومقاتلتها، ثم حول إليها ربع من أرباع أنطاكية وقطعت الطوالع عنها.
ويقال إن سلمان بن ربيعة الباهلي كان في جيش أبى عبيدة مع أبي أمامة الصدي بن عجلان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فنزل حصنا بقورس فنسب إليه، وهو يعرف بحصن سلمان.
ثم قفل من الشام فيمن أمد به سعد بن أبي وقاص وهو بالعراق.
وقيل إن سلمان بن ربيعة كان غزا الروم بعد فتح العراق وقبل شخوصه إلى أرمينية فعسكر عند هذا الحصن وقد خرج من ناحية مرعش فنسب إليه.
وسلمان وزياد من الصقالبة الذين رتبهم مروان بن محمد في الثغور.
وسمعت من يذكر أن سلمان هذا رجل من الصقالبة نسب إليه الحصن والله أعلم.
405- قالوا: وأتى أبو عبيدة حلب الساجور وقدم عياضا إلى منبج، ثم لحقه وقد صالح أهلها على مثل صلح أنطاكية، فأنفذ أبو عبيدة ذلك.
وبعث عياض بن غنم إلى ناحية دلوك ورعبان، فصالحه أهلها على مثل صلح منبج، واشترط عليهم أن يبحثوا عن أخبار الروم ويكاتبوا بها المسلمين.
وولى أبو عبيدة كل كورة فتحها عاملا، وضم إليه جماعة من المسلمين، وشحن النواحي المخوفة.
406- قالوا: ثم سار أبو عبيدة حتى نزل عراجين.
وقدم مقمدته إلى بالس.
وبعث حيشا عليه حبيب بن مسلمة إلى قاصرين.
وكانت بالس وقاصرين لأخوين من أشراف الروم أقطعا القرى التي بالقرب منهما، وجعلا حافظين لما بينهما من مدن الروم بالشام.
فلما نزل المسلمون بها صالحهم على الجزية والجلاء، فجلا أكثرهم إلى بلاد الروم وأرض الجزيرة وقرية جسر منبج، ولم يكن يومئذ إنما اتخذ في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه للصوائف.
ويقال بل كان له رسم قديم.
407- قالوا: رتب أبو عبيدة ببالس جماعة من المقاتلة وأسكنها قوما من العرب الذين كانوا بالشام، فأسلموا بعد قدوم المسلمين الشام، وقوما لم يكونوا من البعوث نزعوا من البوادى من قيس، وأسكن قاصرين قوما ثم رفضوها أو أعقابهم.
وبلغ أبو عبيدة الفرات ثم رجع إلى فلسطين.
وكانت بالس والقرى المنسوبة إليها في حدها الأعلى والأوسط والأسفل أعذاء عشرية.
فلما كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان توجه غازيا للروم من نحو الثغور الجزرية عسكر ببالس.
فأتاه أهلها وأهل بويلس (كذا) وقاصرين وعابدين وصفين، وهي قرى منسوبة إليها.
فأتاه أهل الحد الأعلى فسألوه جميعا أن يحفر لهم نهرا من الفرات يسقى أرضهم، على أن يجعلوا له الثلث من غلاتهم بعد عشر السلطان الذي كان يأخذه، ففعل.
فحفر النهر المعروف بنهر مسلمة، ووفوا له بالشرط، ورم سور المدينة وأحكمه.
ويقال بل كان ابتداء العرض من مسلمة، وأنه دعاهم إلى هذه المعاملة.
فلما مات مسلمة صارت بالس وقراها لورثته.
فلم تزل في أيديهم إلى أن جاءت الدولة المباركة وقبض عبد الله بن علي أموال بني أمية فدخلت فيها.
فأقطعها أمير المؤمنين أبو العباس سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس فصار لابنه محمد ابن سليمان.
وكان جعفر بن سليمان أخوه يسعى به إلى أمير المؤمنين الرشيد رحمه الله ويكتب إليه فيعمله أنه لا مال له ولا ضيعة إلا وقد اجتاز إضعاف قيمته وأنفقه فيما يرشح له نفسه وعلى من اتخذ من الخول، وأن أمواله حل طلق لأمير المؤمنين.
وكان الرشيد يأمر بالاحتفاظ بكتبه.
فلما توفي محمد بن سليمان أخرجت كتبه إلى جعفر واحتج عليه بها.
ولم يكن لمحمد أخ لأبيه وأمه غيره فأقر بها، وصارت أمواله للرشيد.
فأقطع بالس وقراها المأمون رحمه الله، فصارت لولده من بعده.
408- حدثني هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن تميم بن عطية، عن عبد الله بن قيس الهمداني قال: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجابية. فأراد قسمة الأرض بين المسلمين لأنها فتحت عنوة، فقال له معاذ بن جبل: والله لئن قسمتها ليكونن ما نكره، ويصير الشيء الكثير في أيدي القوم ثم يبيدون فيبقى ذلك لواحد، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون عن الإسلام مسدا فلا يجدون شيئا.
فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم.
فصار إلى قول معاذ.
409- حدثني الحسين بن علي بن الأسود العجلي عن يحيى بن آدم عن مشايخ من الجزريين عن سليمان بن عطاء عن سلمة الجهني، عن عمه أن صاحب بصرى ذكر أنه كان صالح المسلمين على طعام وزيت وخل.
فسأل عمر أن يكتب له بذلك، وكذبه أبو عبيدة وقال: إنما صالحناه على شيء ينتفع به المسلمون لمشتاهم.
ففرض عليهم الجزية على الطبقات والخراج على الأرض.
410- وحدثني الحسين قال: حدثنا محمد بن عبد الأحدب قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع، عن أسلم مولى عمر أن عمر كتب إلى أمراء الجزية أن لا يضربوها إلا على من جرت عليه الموسى.
وجعلها على أهل الذهب أربعة دنانير، وجعل عليهم لأرزاق المسلمين من الحنطة لكل رجل مديين، ومن الزيت ثلاثة أقساط بالشام والجزيرة، مع إضافة من نزل بهم ثلاثا.
411- وحدثني أبو حفص الشامي عن محمد بن راشد، عن مكحول قال: كل عشرى بالشام فهو مما جلا عنه أهله فأقطعه المسلمون فأحيوه، وكان مواتا لا حق فيه لأحد فأحيوه بإذن الولاة.